إلى صاحب السلطان، شامل الحكمة ومالك الأمر،
تحية أخيرة، وبعد..
تحية أخيرة، وبعد..
كلمات هي الأخيرة ستصلك بعد أن فات الأوان. انقلب الناس عليك يا ولي الأمر، ما لم تعد تملك الرأي في الولاية، فقد أدرك الناس ما قد نسجناه حولهم من وهم، وما قد بعناه لهم من أمل تعلم أنت قبل الباقين أنه سراب.
أخبرتك سابقًا عن كلب الفلاحين، من التفّ حوله أمراء القرى ممن غضبت عليهم وتركتهم خشية أبيك. أخبرتك سابقًا أن سحره لم نمر عليه من قبل. أعلمتك أن كلامه يؤثر آذان من استمع ويؤسر قلوب من اقتنع. أعلمتك أن لا يجب علينا أن نواري خطره الذي داهمك على غير غرة.
يا صاحب الشأن، قوي الذراع،
اتلفك غرورك فلم تعد تقدر على تمييز الأمور. حاصرتك غرائزك فلم تقوى على رفع هامتك في بهوك العظيم. أخذت الاستهزاء بالناس سوط تجلد به نفسك. أرسلت ضباعك مرة، وخيراتك مرات، فلم يستجب الناس وظل كلب الفلاحين هو صاحب الكلمة في ضمائر الرعية.
ضعفت يا ولي، وانكسرت شوكتك.
وثقت في من نحتوا نحرك منذ زمن ولم تعلم. سمعت لمن باعك قبل أمد ولم تفهم. اتخذت من انقلب عليك درعًا أجوف. ضعفت يا ولي بعد أن استكبرت.
اعلم جيدًا أن الأمور ستنقلب، وأن الحال تبدّل، وأنك آخر نسلك لا محالة، وأن ظلمك قد غرب، وأن استعلائك قد انتهى. صغت أنت القيود بحكمة مهلهلة. وضعت أنت الأكلال حول عنقك. سأم الناس منك، عامّهم وخاصتهم، ولم تعلم. انتهى زمنك يا ولي، وراح ملكك يا سلطان.
عرفتني يا حكيم كحاكم إمارتك المطيع، وصوتك الذي لم يخالفك في كلمة، ولم تعرفني أنا من طعنك منذ زمن، وقضى على استعلاءك، وحفر نحرك قبل الباقين. أنا من فتت ملكك يا مولاي، وهدم عرشك، وصاغ بالزمن أساور الحديد التى ستُعلَّق عليها قبل أن تصلك هذه الرسالة. أنا من قدرت له الفرصة كي أنزلك من عرشك، وأن أسلبك ملكك، ومن جعل الحسرة فراش لا تقوى على الاتكاء عليه.
سأرى وجهك بعد وصول مسيرة الجموع، وستراني في مقدمة المسير. سأوطئ رأسك من شرفتك البارهة، وسأسمعك بنفسك حصاد الذل الذي أذقته لنا.
ستعلمني حين ترى، وسيسمع الناس صياحك في بهو ما اقتربنا منه قبل ذلك.
ستموت.
خادمك العظيم، أمير الوحي،
كلب الفلاحين
*رسالة والي عكة لأمير المؤمنين، عثر عليها في قافلة تنقيب الأمم المتحدة عام 1985، بمدينة حمص. حفظت في متحف الفن الإسلامي، القاهرة*